الأحد، 22 يونيو 2008

عَ لَ ى طَاوِلَةِ المَقْهَى


عادتي أن ألج المقهى في آواخر الليل ، و أستند على طاولتي و أخط بعضا من كلمات سرقتها ذات يوم من أنياب الحياة ، لم أستطع أن أرمق الحاضرين و لم تكن لي رغبة في إفشاء السلام و لم أكن أرغب في أنيس الليلة كنت أفضل أن أقيم تهجدي وحدي ، و أعلق بقايا الأحرف على جدارات المقهى
اكتفيت بفنجان واحد من القهوة فصحتي لم تعد تحتمل الأقداح الأرقية .
قطرات يتيمة تتخبط على واجهة الزجاج ، تائهة كَ - أنـا - لا تعرف طريقا للسكينة و لا لراحة البال
يا للإمتزاج العجيب ، صورة تعكسنا معا على نفسها الأجنحة المحترقة نسافر
لطالما عشقت سكون الليل و لطالما كان رفيقي الوحيد و لازال ، كنا معا نشكل غزارة الرؤى يحتويني كما أحتويه ، و يغريني بالمزيد من زخات النزفْ
استلت من أنفاسي تنهيدة طويلة و أنا أغوص في صمت الجدران و ثرثرة الرواد ، فأحن إليك ..
و الموعد الذي انتظره بفارغ صبري العنيد ، يمسي أقصر فأقصر ، و تمسي رسائلي التي أعدها لحين المجيء باهتة تشكو مثلي ضيق الوقت ، و كأني بك أرمق هرولة الساعة و هي تزف انتظارتي لفجر يتيم
ربما
أنك الوحيد الذي أتقن التوغل في ذاتي
ربما
أنك من اتحدت معه أنفاسي و تشابكت في رذاذ عواطفه اشتياقي
ربما
أنك من أمسك يدي ليعرف أن حالي مطر و غيومي سوداء
ربما
أنه كانت بك قبلتي التي كنت لها أنزوي و أغلق ورائي نوافذ الهمس
ربما
أنك كنت برشامتي الأخيرة ، و قطاري الأخير ، و أملي الأخير
ربما
أني بك كنت أرتكن بشجوني كشاعر مجنون
ربما
كنت الوحيد الذي أنزع أمامه رداء قوتي و أتعرى من غروري
ربما
كنت الوحيد القادر على احتوائي ، و على امتصاص أرق هواجسي
ربما
لو كنت قريبا مني لما استطعت أن أمنع نفسي عن البكاء و أندس في حضنك و أشهق بالأنين
ربما
لو تمهلت و منحتني المزيد من الوقت ، لأخبرتك أني أحتاجك ، أحتاجك كثيرا
ربما
لو تسللت إلى ذاتي لرأيت بعيوني نداءا لك ، نداءا به الكثير من الرجاء ، الكثير من الحب
ربما
لو كنت قريباً لوجدتني أقرب لطفلة من امرأة ، لوجدتني لازلت أحن لدميتي و لأقلامي الملونة و شريط شعري الغجري الأحمر، و أتمنى كل ليلة أن تأتي لتحكي لي قصة عن الأقزام السبعة و الأميرة و الجان و القصر المسحور
لوجدتني ملاكا صغيرا لا ينام إلا على هدير موسيقى صندوقه الصغير
ربما
كنت الوحيد الذي يمتص غضبي و يحسن تهدئة مخاوفي
ربما
كنت الوحيد الذي جعلني أصمت و أنا في محرابه البعيد
ربما
لم تك في يدي حيلة غير أن أقبلك قبلة المساء و ألوح لك من جديد بمنديلي المطرز عل اللقيا تطول في المرة القادمة
ربما
اكتشفت أني لا أتقن إيصال مشاعري إليك ، و أني فاشلة في دوري كحبيبة
ربما
أني امرأة مملة و عبثية و كثيرة الضجرْ
ربما
لم تك عندي غيرها وسيلة لأخبرك أن بك امتداد مدينتي و أحلامي
ربما
أني كثيرة الإزعاج ، و كثيرة الضوضاء ، لكني و رغم ازدحام التاقضات إلا أني سريعة التأثر و الانفعال
ربما
يا رج ــل حياتي ، لو دنوت قليلا مني ، لالتمست لي العذر ، فقد أودعتك مفاتيح ابتسامتي و بهرج دنيتي ، لوجدت الحنين إلى مواساة منك يفوق ما بالسماء من أنجم و أقمار
يا ليتك قبل أن تستعجل الرحيل .. قرأت بي
" رويدك ... لا تغادر ... أخشى الإرتكان وحدي ..."
ربما - أكيد -
كانت راحتك بي أكبر أعظم بكثير من حاجتي الماسة لك في هذه الأمسية الرمادية
أكملت فنجاني البهيم ، و على طاولتي اليتيمة التي قاسمتني إياها أشباح أسطري ، تركت بقايا مداد هذا المساء ، و انصرفت كعادتي أمشط الطرقات و أطارد كحل مقلتي بين إغفاءتك ، و أشاطر المجانين و المتشردين صقيع الوحدة الجافة
و مع كل خطوة أخطوها و مع كل إبحارة أبحرها ، و مع كل رحلة أسافرها ، يتعاظم الوجد في ثنايا الفؤاد
فتصير قنديلي الليلي
طريق طويل ..

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بالأسفل .. يوجد تعليقات .. نظرة إليها .. وقلت كان يفترض أن يكتب لا تعليق .. ثمانية وعشري حرفاً لا تجيد التعبير أمام صخب حضورك .. تشرفت بالدخول إلى وطنك الطاهر .. مازال ريموت القنابل العاطفية بيدك .. نتظر المزيد من التفجيرات . ( لا تعليق )



أعترافات قبر رجل ( فهد )

........... يقول...


من قال أن الأبجدية خلقت لتعبر من هنا ؟

هنا الصمت سيد الموقف , فليس لنا إلا الخشوع في محراب السمراء ,

تبا لتلك الأبجدية التي تخذلني حين أتسسل لسماء الرب .

سلام لك يا سمراء أينما تكوني ,, وحين تكوني ,, أخر قنديل معلق فوق ضلوعي يضيء ظلمات الصدر .