السبت، 21 يونيو 2008

إغفاءةٌ عَلَى زِنْدِ الوَطَنْ

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة جديدة





كثيرا ما تنتابنا مشاعر جياشة و في خضم السعادة يحط طير جريح على كتفك ، ليسقط دمعة بمذاق الألم على شفاهك ، هكذا كنت ، و أمست ليلتي اليتيمة
سكبت القليل من قهوة سوداء ، و ارتشفت منها حنينا جارفا لوطن بعيد
بعيد كالنجم المترقرق على صدر السماء السوداء
أمسكت قلما و كتبت بعض الأشياء ، كثيرا ما بحث عن مدلولها الذي استعصي على إدراكي ، وجدتها بدورها تمارس ضدي لعبة الإخفاء ، عسكرت قليلا على جنبات الصمت ، صمت يراقص غرفة و ضوءا خافتا يتموج بحمرة المغيب ، و كتبا و أقلام و هدير صوت نائي
حاولت أن ألقي نظرة بالخارج علي أجد مصدرا لصوت يعاند أرقي ، أضواء الشارع تنتحر رفقة عزف القطط و جنون المايسترو الذي لم يكن غير نوع من الطيور يعربد بهلوسته بمحاذاة نافذتي الزجاجية ، و ابتدأ الحفل الساهر/ الماجنْ
دسست رأسي بين يدي ، حاولت أن أبحر في سفن الأحلام الزمردية تارة ، أن أغرق في يم الحنين تارة أخرى ، فلم أفلح .. ما الذي حصل ؟؟
ازداد وقع العزف و ازدادت رغبتي في البكاء
إحساس انتابني بالوجل ، برغبة جامحة تدعوني للصراخ أوقفوا العرض ، أوقفوا العرض أوقفوا العرض
ارتميت أبحث دفءا في حضن وسادة مزركشة ، بعيدا عن ضوضاء الفرقة الليلية دسست وجعي علي أجد راحة و سكينة تبعد عني إرهاق فكر مضني ، فحلمت بالطفلة التي كانت أنا ، طفلة لا يكدر صفوها عارض و لا تغتالها غيلان الهموم و لا انتكاسات العالم
استلت تنهيدة حزينة من صدري و همست : يا ليت عالمي امتهن الطفولة .. يا ليتني لم أكبر
تذكرت بعضا من ريعان الطفولة و الصبا ، دبت لجسدي قشعريرة خوف من شيء مجهول ، تمعنت في غرفتي و كأني أبحث عن مخلوق غريب يتتبع خطواتي ، كانت موحشة و كئيبة ، همست لوالدتي اليوم لا أرغب في أن يشاركونني مملكتي الصغيرة ، فكان لي ما طلبت يعرفون أني أعشق الاستقلال و التعبد في هيكلي الليلي ، أناجي غربة ووحدة و شوقا لما وراء الشمس المغيبية
كل شيء كان ساكنا ، ما عدا نبض القلب و الساعة ، كلاهما يحاول جاهدا أن يبعد أشباح الرهبة العجيبة
انصهرت بي رغبة في أن أنغرس بحضن والدتي و أغفو بين يديها كعادة طفولتي حينما تنتابني تمزقات الخوف
ابتسمت ، كبرت يا عزيزتي ، و لم تعودي بنت الخامسة ربيعا ، لكم السنون تجري بنا ، و تأخد رفقتها أحلى الأيام و ما يظل لنا غير غبار ذكرى ننفضها كلما تقنا لذاك الهديل الحالم
تأتي على المرء ساعات يدنو منه الضعف فيصير رضيعا يبتغي حنانا ، يبتغي موقد عطف و سكينة
أقر أني شعرت بأحاسيس تختلج فؤادي ، لن أخجل إن قلت أني لمست نفسي أقرب من " أمل" ذات الشموع الخمس ، و ليست تلك الإمرأة العنيدة المغرورة كما يحلو للبعض تسميتها
كلما حاولت أن أخط حرفا أو شعرا أو نثرا أجد القلم شيخا مرت عليه جحافل الزمن بنعالها فأردته مشلول النزف ، عقيم المداد
تركته يعانق اغفاءاته على حصننا الأدبي لأني أدرك أن الإنجذاب فيما بيننا بدأ يعلن الفتور ....و هذه عادتنا منذ تعرفنا على بعضنا أو منذ سجنني به القدر و سجنه بي
لا فرق في المسميات
كان قلمي و سيظل .. علاقة رغم غرابتها في بعض الأحيان إلا أنها تمتاز بجمالية أخاذة ، أعشق قلم أفي هذا جنون ؟؟؟
ما انتبهت الى أن الوقت يمر بسرعة ، و الساعة تعلن في كل فترة موعدا جديدا للعد التنازلي لشبح الليل البهيم
فتبدأ الفرقة الموسيقية تلملم عدتها في كسل و برود
أشفق على من يغفون ليلا ، محرومين من لذة التعبد الجميل بين أحضان هذا السحر الآخاذ
داعبني نوم لذيذ فجأة و دون إشعار، فتراقصت صورته رفقة الأضواء الخافتة، كان رفقتي ننشد للعيد ترانيم حب ، و نغزل للصبية باقات عشق ، و نهدي العاشقين كواكب وفاء و لهيب حنان
كان رفقتي
نقطف من صدر الوجد فاكهة الود الكبير ، نشيد لنا مملكة سكينة بعيدة عن ضوضاء المدن الدامية و الصراخ و الدماء و الأشلاء
كان رفقتي
نحلم بحضن يبعد عنا زخات الألم ، يمنحنا قوت صبرنا و ابتسامة الربيع على شفاهنا
كان رفقتي
قبالتي ، عيونه تغرق في عيوني ، مددت يدي أبحث عن قسماته خلف تعب إجباري يحذف وضوح الرؤية من مقلتي ، لازال صامتا ، و كأن كلا منا ارتضى الصمت لغة لتواصلنا
همست له بدمعة سخية انهمرت رغما عني :
( اشتقتك.. فأين كنت .؟ و إلى أين رحلت ؟ و لما ابتعدت ؟ و كيف ارتضيت البين بلادا ، كيف ؟ لماذا.. ؟؟؟)
انغرست بصدره كوردة صلبت جذورها ، تخشى أعاصيراً تقتلع سعادة لم تكتمل إلا بين أضلعه و دفء فؤاده
لازال صامتا
قلت له :
( انتظرت هذه اللحظة ، و سقيت أملي بها دما قانيا ، رسمت لملامحها ألف لوحة ماسية ، و كتبت فيها أروع القصائد الشوقية و حملت لها نزفا خاصا من رونق شحرور المساء و لهيب جمرة الهناء
انتظرتها و خلدتها و تأملتها و حلمت بها
فلما لازلت صامتا ؟؟؟؟ )

و لا زال صامتا ..
أبعدني برفق عن ذراعيه ، و تلاشى مخلفا وراءه ابتسامة غديرية أشرقت لها جنبات غرفتي اليتيمة
رحل بصمت
انتفضت أبحث عنه كمجنونة لا تعرف سبيلا
في كل أركان المنزل ، و لم أجدك
بالشوارع الظلماء ، بين أروقة الغرباء ، على حافة البدر في السماء
لا .. لم أجدك
تعصف الريح بجسدي و يصطك قلبي الصغير دامعا يرجو وصالك ، و غربة قذفتني بغياهبها ساعة رحيلك
لا لم أجدك
عدت خائبة الرجاء ، و نايات الوجع تعزف بأذني ، تحرق شراييني ، تصلب أوردتي
لماذا رحلت ؟
لماذا تركتني معلقة بين نيران الحنين إليك و غربة البعاد عنك ؟؟؟؟
لماذا تركت هذه الطفلة ؟
فما أحوجني إليك ؟؟؟
انتفضت من اغفاءتها حملقت في الغرفة و الصبح يمسح عنه ندى اللليل البارد
تمتمت .. كان حلما
و قبل أن تغادر تركت منديلها المطرز عليه كلمة ** أحبك ** مرشوش بعطر حنين ، و عبيق قبلة من شفاه صباح حالم ، طفلة حالمة ، امرأة حالمة
أحبك فهل تكفي يا سيدي لتعلن لك غربتي بعد قبلتك النائية؟؟؟
إلى ذلك الرجل الذي طوق خصري بأحلام وردية و آمال جياشة ، إلى من استوطن كتاباتي و حذف جنوني فاستبدله هياما ينضح جنونا من لدن الأعاصير المشاعرية
إلى ذلك الرجل ، سيد كواكبي و مليك صدري و فارس اختلاجاتي
إليه باقة حب جورية و مودة ملائكية و نسيم اشتياق يزخر بالورد و الياسمين و حبات المطر من بلاد الانتظار
غرد العصفور ..
إنه الصباح .. قهوتك من صنع يدي بها محبتي و نزف حنيني و شهد قبلاتي
صباحك زخات سعادة
يا ليت حرفا يخبرني أنك لازلت تذكرني

صباحك وطن حر
صباحكم وطن حر
صباحنا وطن حر أَبِيْ

هناك تعليقان (2):

شهاب يقول...

يا ليت حرفا يخبرني أنك لازلت تذكرني
صباحك وطن حر
صباحكم وطن حر
صباحنا وطن حر أَبِيْ
____________

وهل استطيع ان انسى

امل
كان الصباح شوقاً جارف
لينعم المساء بابتسامه

سَمْرَاءُ اللَّوْزِ يقول...

وَ لِلْمسَاءِ بَسْمَةُ إِلَهٍ طَيبْ ،.
كُنْ بخير يَا جمال ،.